الرؤية الاستراتيجية الجديدة في النظام الدولي:الحرب العالمية الثالثة قادمة لا محالة

د.محسن الندوي مدير مجلة شؤون استراتيجية

افتتاحية العدد

الرؤية الاستراتيجية الجديدة في النظام الدولي:الحرب العالمية الثالثة قادمة لا محالة

 

د.محسن الندوي
مدير مجلة شؤون استراتيجية

 

يبدو أن العالم اليوم يتجه إلى نشوب حرب كونية جديدة، أهدافها الأساسية السيطرة على الغذاء والبترول، لأن السيطرة على الغذاء معناه السيطرة على الشعوب، والسيطرة على البترول معناه السيطرة على الدول.

فإذا كانت الدول الغربية قد اضطرت تحت ضغط الأزمة المالية إلى تقليص حجم قواتها العسكرية وإنفاقها على التسلح، فقد اتجهت الدول الصاعدة، خاصة في آسيا والعالم الإسلامي خاصة إيران، إلى استخدام قوتها الاقتصادية في تدعيم قدراتها العسكرية، عن طريق صفقات تسلح ضخمة. ويشير تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لعام 2011 إلى أنه أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى في طريقها لأن تفقد احتكارها لأنواع مهمة من تكنولوجيا الدفاع لصالح هذه الدول الصاعدة. في حين أن الصين بصفة خاصة تتجه باطراد إلى عبور الفجوة في مجال التكنولوجيا العسكرية مع الغرب.

وتشكل هذه التحولات في القوة الاقتصادية والعسكرية الجديدة في العالم، وما يصاحبها من نفوذ سياسي على الساحة الدولية، ما وصفه أوباما بـ “الواقع العالمي الجديد”، الذي أصبح يهدد قواعد وأسس النظام الدولي الذي تشكل بعد نهاية الحرب الباردة. وقد وصف المؤرخ البريطاني نيل فيرجسون، الأستاذ بجامعتي هارفارد الأمريكية وأوكسفورد البريطانية، هذا الواقع الجديد، في محاضرة ألقاها أخيرا بجامعة زيوريخ السويسرية، بأنه نهاية لعصر من السيطرة والصعود الغربي، قائلا: “أن الغرب يواجه تراجعا في قوته الاقتصادية بعد 500 عام من النجاح وذلك بسبب إهمام أوربا لقيمها ونهوض القوى الآسيوية باعتمادها على الفكر الاقتصادي الغربي”.

وأكد أن الأزمة الأوربية الحالية أعمق من كونها عاصفة أزمة أسواق مالية وديون سيادية هائلة بل تطال الأزمة الخلل في  التركيبة السكانية الأوربية بارتفاع نسبة المسنين وتراجع نسبة الشباب وتأثير ذلك السلبي. كما يعزو الأزمة إلى “عدم تمتع البنوك برأسمال كاف لتمويل معاملاتها والاختلاف الواسع في قدرات دول الاتحاد الأوربي الإنتاجية لتجتمع كل العوامل الاقتصادية والاجتماعية لتؤدي إلى انهيار في منظمة المبادئ والقيم”.

وأشار إلى “فقدان أوربا لمراكز الريادة في البحث العلمي وتراجع سطوة القانون وعدم احترام أخلاقيات العمل وانتشار ثقافة الاستهلاك النهم داخل المجتمعات وضعف إمكانيات المنافسة التصنيعية”.

وأكد أن “أوربا كانت قبل مائة عام القارة الوحيدة في العالم التي تحترم القيم والمبادئ والأخلاقيات والتي اقتدى بها العالم واستفاد منها ونقل تجربتها”.

وأشار إلى أن “توفق الدول الآسيوية على أوربا في مجالات التصنيع والتعليم والطب وأخلاقيات العمل واحترام القانون. “وأضاف أن “هونغ كونغ تسبق الولايات المتحدة في احترام سيادة القانون وفق المؤشرات الدولية”.

وفي مقابل ذلك، يشهد العالم أكبر وأسرع ثورة صناعية تجري على أرض الصين، والتي من المقرر أن تتجاوز الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم في المستقبل القريب. لقد كان من المتوقع أن تصل الصين إلى المركز الأول بحلول عام 2040، ثم تمت إعادة النظر في هذا التقرير، نظرا لسرعة الصعود الصيني، وأصبح التاريخ المقدر هو 2027، وهناك من اعتبر 2025 هو تاريخ ظهور عالم متعدد الأقطاب حيث اعتبر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية مايكل ماكونيل في عام 2008 أن العامل يواجه خطرا متزايدا لنشوء نزاعات في السنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة بينما تجري عملية انتقال لا سابق لها للثروة والقوة من الغرب إلى الشرق.

وتوقع ماكونيل خصوصا تزايد الطلب على الموارد المهددة بالنضوب مثل المواد الغذائية والوقود وتنافسا متزايدا في قطاع التكنولوجيا الحديثة وانتشار أسلحة الدمار الشامل.

وأشار إلى ظهور عالم متعدد الأقطاب في 2025 يشهد صعود الصين والهند والبرازيل التي ستكون اقتصاداتها مطابقة لاقتصادات الدول الصناعية الغربية.

وهو ما يؤكده سيمون سيرفاتي، أستاذ العلاقات الدولية، ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن، في مقاله “الحركة نحو عالم ما بعد الغرب”، حيث ألقى نظرة شاملة على اللاعبين الرئيسيين في عالم ما بعد الغرب والعلاقة بينهم. إذ يقرر الكاتب في البداية أن عصر الأحادية القطبية قد ولى إلى غير رجعة، كما يستبعد أن يعود العالم إلى حالة من الثنائية القطبية. فرغم تراجع القوة الأمريكية، فإنه ليست هناك أية قوة دولية أخرى في نظر سيرفاتي قادرة على فرض الهيمنة عليها، أو حتى الوصول إلى موقع الندية معها.

وستكون نتيجة “اللاقطبية” في العالم، ظهور أنماط مختلفة من الرأسمالية: صينية، وهندية، وروسية، وبرازيلية، التي ما فتئت تحقق نجاحا ملحوظا، وتحول ديناميكيتها الاقتصادية بشكل سريع إلى قوة ونفوذ على الصعيد السياسي.

لقد أوجدت الشعوب خارج الغرب نماذج جديدة تمزج ما بين ديناميكية اقتصاد السوق وحكم الحزب الواحد أو العائلة الواحدة. وقد تكون ملكية الشركات الكبرى في هذه النماذج للدولة وحدها، أو مشتركة بين الدولة وأطراف أخرى. كما أنه من الشائع أن ينتشر الفساد  بشكل واسع في هذه النظم، وأن تتم الاستهانة بتطبيق حكم القانون.

وفي هذا الاتجاه، يشير المحلل الصيني للعلاقات الدولية، يانن زيوتونج، بأن القوى الصاعدة عادة ما تأتي بالقيم السائدة فيها إلى “المائدة الدولية”، حيث تسعى لنشرها، كيفما استطاعت.

وهذا ما أسماه هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق بـ”تحولات القوة”، حيث يذكر كيسنجر بالنظام العالمي الذي كان سائدا في السبعينيات من القرن الماضي، فقد كان هناك خط استراتيجي واضح يفصل بين القوى الدولية، يمر في وسط القارة الأوربية. أما في عالم اليوم، فمن الصعب حصر الخطوط الاستراتيجية الفاصلة، أو تحديد عامل مشترك أدنى يجمع بينها، وقد ظهرت تفاوتات جوهرية في المعايير والقوة على المستوى الاستراتيجي. فالدور الأمريكي على هذا المستوى في تراجع لعدة أسباب اقتصادية وسياسية. وسوف يكون من الصعب على الإدارات الأمريكية في المستقبل القريب إقناع الناخبين بضرورة التدخل العسكري الخارجي إلا تحت ظروف مشددة. كما أن أوربا ابتعدت بشكل عام عن استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف استراتيجية، واتجه اهتمامها إلى عمليات حفظ السلام وما شابهها. وقد تركت الحروب الأخيرة التي خاضتها الدول الأطلسية جراحا وانقسامات عميقة داخل المجتمعات الغربية، مما يقلل من احتمالات استخدام هذه الدول لقواها العسكرية في مواجهة مشاكل أو نزاعات في مختلف أنحاء العالم.

خاتمة إن أحد الملامح الرئيسية للواقع العالمي الجديد هو انتشار قيم ومعايير متعددة ومتباينة على الصعيد العالمي في الوقت نفسه.

وعليه فإنني أرى أن العالم اليوم يعيش فوضى دولية ستؤدي إلى نشوب حرب كونية للانتقال من عالم أحادي القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب سوف تكون فيه أمريكا طرفا إلى جانب أوربا المفككة والصين التنين الأسيوي الصاعد بقوة والدب الروسي الطامح لاستعاد هيبته الدولية، والعالم الإسلامي كلاعب أساسي في المستقبل العالمي بعد وصول التيارات الإسلامية إلى الحكم بعد الربيع العربي، بالإضافة إلى إيران النووية الطامحة لزوال إسرائيل نهائيا، وإسرائيل التي توج أن تستعيد إحياء طموحاتها بتكسير شوكة العرب لإقامة مشروعه التوسعي من النيل إلى الفرات. وسوف تتغير موازين القوى الدولية لصالح إحياء العالم الإسلامي وصعود الصين وتقدم روسيا وسوف تضعف أمريكا وتتفكك أوربا وتزول إسرائيل.