المنظار الإيكولوجي للمستجدات البيئية في التفاعلات الدولية: في أفق تكريس التنظير الأخضر للسياسات العالمية
د. حكيم التوزاني
ملخص
منذ التحولات الكبرى التي شهدتها العلاقات الدولية لفترة مـا بعـد الحـرب البـاردة، حصـلت مراجعات أساسية لكل من مفهوم الأمن وطبيعة التهديدات الأمنية التي تواجه النظام الدولي، بالإضافة إلـى تحولات كبرى في نمط التفاعل من خلال تراجع العامل العسكري أمام تصاعد العامل الاقتصادي وظهور تهديدات أمنية جديدة مختلفة الطبيعة عن التهديدات التقليدية؛ حيث تتميز هذه التهديـدات بكونهـا غامضـة المعالم، غير عسكرية، عابرة للحدود ومبهمة المصدر ولا يمكن التنبؤ بـزمن ظهورهـا مثـل: الجريمـة المنظمة، والإرهاب، والهجرة غير الشـرعية، والتلوث البيئي، والكـوارث الطبيعيـة، والاحتباس الحـراري، والتغيرات المناخية…الخ. ذلك أنه بنهاية الثنائية القطبية، أصبح النظام الدولي في نقد تدريجي لصفة الدولاتية، فنحن أمام فضاءات ومجالات تتداخل فيها المصالح الاقتصادية، والأديان، والثقافات، والأفراد، والمهاجرين… إذ لم تعد العلاقات الدولية من صنع الدول فقط، بل تحركها سياسات جديدة تقودها تيارت العولمة، وكل هذا يعوق إمكانية وضع معايير فعالة ونماذج تحليلية قادرة على استيعاب التفاعلات الجديدة في الحقل الدولي.
ولئن كان لكل عصر من العصور قضية تفرض نفسها وتشغل بال المفكرين والباحثين بها، فإن القضية البيئية باتت تشكل بلا منازع أهم المسائل التي أدرجت ضمن اهتمام المجتمع الدولي في العصر الحالي؛ نظرا لما تتعرض له من مخاطر جمة؛ انعكست آثارها على موارد البيئة من ناحية وأمن الإنسان من ناحية أخرى، فقد أضحت المخاطر والتهديدات البيئية هاجسا يؤرق أمن المجتمعات الإنسانية وهدم ما حققته من تقدم وتنمية.
وفي هذا الاطار التحولي، يثير التقدم الواضح للمناقشات البيئوية إشكالات وتساؤلات ورهانات فرضتها قضايا على الدارسين والمهتمين بحقل التنظير في السياسة العالمية، في مسعاهم لموضعة القضايا البيئية، ومن ثم محاولة اجتراح مقتربات جديدة كفيلة بتقديم نظرية خضراء أو على الأقل محاولة تخضير العلاقات الدولية.
وتأسيسا على ما سبق يطرح التساؤل حول تحديد المنطلقات الفكرية للمنظور الإيكولوجي للعلاقات الدولية في أفق تقييم فعاليته في ضبط الديناميات الدولية للسياسة العالمية.
هذا التساؤل الذي يمكن فك تمفصلات مقتضياته عبر محورين أساسيين، بحيث سيتطرق المحور الأول إلى ابراز أهم المنطلقات الفكرية لترسيخ المنظور الأخضر للعلاقات الدولية، على أساس تخصيص المحور الثاني لتقييم مقتضياته في بيئة دولية متحركة.