افتتاحيةالعدد : الدبلوماسية الاقتصادية المغربية الافريقية في عهد الملك محمد السادس

د.محسن الندوي

افتتاحية العدد

الدبلوماسية الاقتصادية المغربية الافريقية

في عهد الملك محمد السادس

 

         بعد تولي الملك محمد السادس الحكم سنة 1999، شهدت العلاقات المغربية الإفريقية دينامية جديدة تجلت في الجولة الإفريقية الرسمية التي قام بها العاهل المغربي لعدد من الدول الإفريقية في سنة 2001 و2004 و 2005 كدولة بوركينافاسو وموريتانيا والسنغال والغابون، إضافة إلى الجولة التي قام بها سنة 2006 إلى العديد من الدول الإفريقية من بينها دولة الغابون والكونكو وجمهورية الكونكو الديمقراطية وكامبيا، هذا دون الحديث عن الزيارة التضامنية التي قام بها العاهل المغربي لدولة النيجر باعتبارها بلدا صديقا في محنته أمام الأزمة الغذائية بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد.
         فالرؤية الملكية في السياسة الخارجية للمغرب على المستوى الإفريقي تتجلى أيضا من خلال الزيارة التضامنية التي قام بها لدولة مالي لحضور مراسيم تنصيب الرئيس “إبراهيم بو بكر كيتا” بعد الأزمة التي شهدتها البلاد، والتي كادت أن تنتهي بتمزيق البلاد لولا التدخل الفرنسي الذي وضع حدا للتحركات المتطرفة، هذه الزيارة تترجم إرادة الطرف المغربي في الدفاع عن وحدة البلد الترابية، وكذلك المساهمة في إعادة بناء الدولة المالية. وكذلك حين أعلن خلال أشغال القمة الاورو- افريقية الأولى بالقاهرة في ابريل 2000 عن إلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا و إعفاء منتجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية.[1] 
       هذه التحركات الدبلوماسية الملكية تترجم الاهتمام الكبير من طرف المغرب بقضايا ومشاكل القارة الافريقية، فالأمر لا يتعلق فقط بزيارات ولقاءات من أجل توقيع اتفاقيات، بقدر ما يترجم روحا جديدة زرعها العاهل المغربي في العلاقات الدولية الإفريقية، والتي ركزت على المقاربة الاجتماعية عبر المساعدات المختلفة المقدمة للعديد من الدول الإفريقية[2] وهو ما يدخل في باب الدبلوماسية الاقتصادية. حيث تبنى المغرب استراتيجية اقتصادية تهدف إلى عمل مشاريع مشتركة ذات طابع إقليمي فيما يتعلق بالماء، والكهرباء، والأمن الغذائي، واستطاع المغرب فرض نفسه كقوة اقتصادية قادرة على الترويج للتقدم الملموس في القطاع الاقتصادي، خاصة البنوك، والصناعة، والتجارة ، والعمل كحلقة وصل يربط بين الشمال والجنوب.
          وقد ركز الملك محمد السادس في الرسالة التي وجهها إلى ندوة السفراء المنعقدة بالرباط بتاريخ 30 غشت 2013 على ضرورة تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية في العمل الدبلوماسي حين قال[3]: “(…) يجب على حكومتنا إعطاء الأولوية لدبلوماسية اقتصادية مقدامة قادرة على تعبئة الطاقات بغية تطوير الشراكات وجلب الاستثمارات وتعزيز جاذبية البلاد وكسب مواقع جديدة وتنمية المبادلات الخارجية. كما ندعوها للتنسيق والتشاور مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص للتعريف بالمؤهلات الاقتصادية التي تزخر بها بلادنا وخاصة في القطاعات الإنتاجية الواعدة بهدف المساهمة في تنميتها ولإرساء تعاون مؤسسي بين القطاعات الوزارية التي لها نشاط دولي في المجال الاقتصادي. وإننا نعتبر سفراءنا بمثابة جنود يجب أن يسخروا كل جهودهم لخدمة القضايا الاقتصادية لبلادهم.”
ولا شك في أن طموح المغرب غدا أكبر في ريادة اقتصادية بالقارة الافريقية وهو ما جاء في الرسالة الملكية التاريخية إلى القمة الـ27 للاتحاد الإفريقي في يوليوز 2015 حين قالها الملك صراحة[4]: “(..) وإن الانخراط المكثف للفاعلين الاقتصاديين المغاربة، وحضورهم القوي في مجالات الأبناك والتأمين والنقل الجوي والاتصالات والسكن، يجعل من المغرب، في الوقت الحالي، أول مستثمر إفريقي في إفريقيا الغربية. وهو أيضا ثاني مستثمر في إفريقيا كلها. ولكن ليس لوقت طويل، لأنه عبر عن إرادته القوية في أن يكون الأول”.
           اذن فالبعد التأسيسي في خارطة الطريق الملكية هو إعادة الاعتبار للبعد الاقتصادي في العلاقات بين الدول الإفريقية –في اطار علاقة جنوب جنوب- باعتبار ان الشركات المغربية ستلعب دور السفارات المغربية في الشق الاقتصادي ذلك ان العلاقات الدبلوماسية وحدها أصبحت متجاوزة ولا تلبي تطلعات الشعوب الافريقة نحو التقدم والتنمية والازدهار. فالمقاربة الدبلوماسية وحدها  تحرم بلدان إفريقيا من استثمار إمكاناتها الاقتصادية فيما بينها في إطار تكتلات إقليمية وقارية .        
          ومن أبرز الاتفاقيات والمشاريع المبرمة، إطلاق مشروع إنجاز خط أنابيب للغاز الذي يربط موارد الغاز الطبيعي لأكبر بلد افريقي وهو نيجيريا بالمغرب، مرورا بدول غرب افريقيا، هذا الأمر سيكون له عدة تداعيات إيجابية على المدى القريب والمتوسط والبعيد:
أولها، لعب المغرب دور وسيط تجاري أساسي بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب، ومفاوض رئيسي في المنطقة.
 ثانيا، امتصاص البطالة بإحداث مناصب شغل قارة نتيجة الاستفادة المغربية من الاستثمارات الضخمة والاكيدة التي ستواكب هذا المشروع والتي تعد بملايير الدولارات.
 ثالثا، لعب المغرب دور المركز الطاقي الرابط بين دول غرب افريقيا بسوق الطاقة الاوروبي، 
رابعا، تنشيط التجارة الخارجية المغربية وجلب العملة الصعبة واستعادة التوازن إلى الميزان التجاري.
خامسا، تقليص الدين الخارجي المغربي من خلال الفاتورة الطاقية .
إذن، فإعلان المغرب في عهده الجديد عن تقوية علاقات “جنوب-جنوب” كان مناسبة سانحة لاستثمار إمكانياته وخبرته بإفريقيا ، سواء على المستوى الثنائي أو المؤسساتي أو عبر إشراك القطاع الخاص.
       وبلغة الأرقام ، ورد في تقرير رسمي صدر عن مؤسسة تابعة لوزارة الاقتصاد والمالية وتحديث الإدارة، بأن الاستثمارات المغربية في القارة الإفريقية انتقلت من 907 ملايين درهم عام 2007 إلى 5.4 مليار درهم عام 2019. وأشار التقرير إلى أن “المغرب لم يتوقف، منذ استقلاله، عن إعادة تأكيد توجهه الأفريقي، من خلال وضع القارة على رأس أولوياته الاستراتيجية، حيث عملت المملكة، بنشاط، على تعزيز علاقات التعاون مع دول قارتها، عبر توطيد علاقاتها السياسية وتنويع الشراكات في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك”.[5]
 وأكد التقرير أن “الاستراتيجية الاقتصادية التي ينتهجها المغرب تجاه شركائه في القارة تهدف إلى جعل المملكة مركزا إقليميا يخدم التنمية المشتركة في المجالات ذات الاهتمام المشترك (التنمية البشرية، الأمن الغذائي، البنية التحتية، التنمية المالية والطاقات المتجددة..).
بلغ حجم الاستثمارات المغربية في بلدان القارة ما يزيد على 11 مليار دولار في 2015، بزيادة 12 في المئة عن عام 2014، و75 في المئة مقارنة بالعام 2013.
ومن خلال المعطيات الرقمية التي أوردتها “مديرية الدراسات والتوقعات)DEPF/ماي 2010)[6]”، تسجل أن حوالي 51% من الاستثمارات المباشرة المغربية اتجاه الخارج كانت في اتجاه إفريقيا جنوب الصحراء ما بين 2003/2013، ومن جهة أخرى سجلت المبادلات التجارية المغربية مع دول المنطقة تطورا مهما خلال نفس الفترة حيث قاربت7% ، تمثل صادرات تجارة المغرب منها 2,6% وهي نسبة ضعيفة مقارنة مع الإمكانيات، نظرا لاستمرار العديد من المعوقات المختلفة التي تحد من تطور هذه العلاقات بين الطرفين.
وفي الصف الأول من هذه الدبلوماسية التجارية الجديدة، شركات مهمة في القطاع الخاص تشارك في بعضها بما فيها الشركة القابضة للأسرة الملكية “الشركة الوطنية للاستثمار” كمساهم.
          وتشير تقديرات تقرير المراقبة المصرفية للأسواق الناشئة لسنة 2014 إلى أن أكبر 3 بنوك مغربية وهي التجاري وفا بنك والبنك الشعبي والبنك المغربي للتجارة الخارجية، تمكنت من خلال عمليات الاستحواذ وافتتاح فروع واسعة.
           وعليه، فالتوجه الاقتصادي نحو إفريقيا تمليه أسباب موضوعية بالأساس، بالضرورة تشترك مع السياسي في ما يخص عودة المغرب للكيان الإفريقي في 30/01/2017  والعمل على بناء حضور متميز تمليه المصلحة المشتركة، وهو ما يجد قبولاً من لدن السوق الإفريقية؛ وذلك بالنظر إلى حجم المشاريع المشتركة التي أُنجزت في بلدان القارة من لدن القطاع الخاص والعام المغربي في السنوات الأخيرة بالمساهمة أو الاقتناء: 21 بنكًا إفريقيًا،4 شركات للاتصالات بالقارة الافريقية، بما يقارب 30 مليون مستعمِل للهاتف النقال، الحضور في 13 دولة في قطاع التأمين، الحضور في 6 دول في قطاع استخراج المعادن: الذهب والنحاس والكوبالت، إلى غير ذلك. عمومًا هناك 930 مقاولة مغربية حاضرة في السوق الإفريقية، وثلثا الاستثمارات الخارجية المغربية تتجه نحو القارة؛ مما يجعل المغرب أول مستثمر إفريقي في غرب ووسط افريقيا.[7]
ويندرج هذا الحضور الاقتصادي المغربي بالقارة في أفق بناء علاقات استراتيجية بينية إفريقية، من أهم مميزاتها الارتكاز على العلاقات الثلاثية والتي تحاول في المستقبل القريب وآنيًا جعل المغرب مركز التقاء/محورًا للعلاقات الاقتصادية بين القارة والشركاء الأوروبيين والشركاء العرب خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، وأيضًا مع بعض الشركاء في الشرق الآسيوي.كما تتجه هذه السياسة إلى ملء الفراغ والضعف الذي تعرفه بنية التبادل بين الدول العربية بالشمال الإفريقي خاصة دول اتحاد المغرب العربي الجامد بفعل النزاع المفتعل بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء .
        خلاصة القول، إن التحركات الدبلوماسية الجديدة للمغرب على المستوى الإفريقي تنم على الفاعلية الأساسية للمؤسسة الملكية، بل تعتبر محددا أساسيا لاختيارات الدولة الخارجية. إن دور « المؤسسة الملكية في الدبلوماسية المغربية إزاء إفريقيا أصبحت اليوم عاملا مركزيا لتحقيق الأهداف المرسومة، نظرا لعنصر استمرارية المؤسسة الملكية وما راكمته من روابط سياسية وروحية واجتماعية مع دوائر القرار والنفوذ في الكثير من دول غرب إفريقيا [8]
لقد أصبح المغرب بفضل السياسة الخارجية والدبلوماسية الملكية الحكيمة بعد الزيارات المهمة للملك إلى عدد من الدول الإفريقية و التي همت ما يفوق العشرين دولة، الشيء الذي يعطي إشارات سياسية و واضحة و قوية على أن المغرب دائما و أبدا يراهن على دوره استراتجيي في مد جسور التواصل مع باقي الدول الإفريقية و فتح بوابة أساسية نحوها، الشيء الذي يحتم على المملكة التفكير في إعادة التموقع داخل المجال الإفريقي جنوب الصحراء خاصة بعد التجاوب الذي لقيه الدعم القوي الذي قدمه المغرب لمالي وعلى الدور الذي يلعبه الملك و تدخله شخصيا في حماية الاستقرار بالشمال الإفريقي وغربه عبر خطة بعيدة المدى في مكافحة الإرهاب. 
[1] – وكالة الأنباء القطرية،01 فبراير 2017
[2] – Jeune Afrique, Que cherche le Maroc en l’Afrique ?53èannée, n° 2731 du 12 au mai 2013, p.p : 25-27-28.
[3]http://www.maroc.ma/ar      
[4]http://www.mapnews.ma/ar/activites-royales موقع وكالة المغرب العربي للانباء    
[5]https://www.skynewsarabia.com/business/-تاريخ النشر 8 ابريل 2021
[6] -د.العربي بن رمضان، المقاربة الجيوسياسية الجديدة للدبلوماسية المغربية في افريقيا جنوب الصحراء، موقع أفريكا عربي ،2016، http://afrikaar.com
[7] – د.خالد الشكراوي،  السياسة المغربية في افريقيا، مركز الجزيرة للدراسات ، قطر،2014
[8] مجلة مغرب اليوم، ملك إفريقيا، العدد221(السلسلة الجديدة)، من4/10 أكتوبر 2013، ص: 23.